ثاني خلفاء بني أمية

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 





يزيد بن معاوية بن أبي سفيان هو الخليفة الثاني من خلفاء الدولة الأموية، والذي تولى الحكم بعد وفاة والده معاوية بن أبي سفيان عام 680م. وُلد يزيد عام 645م (26 هـ) في المدينة المنورة، وكان والده قد أسس الدولة الأموية بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة في عام 661م (41 هـ) فيما يُعرف بعام الجماعة. ورث يزيد عن والده إمبراطورية مترامية الأطراف، ولكنه يعتبر شخصية مثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي بسبب بعض الأحداث الكبرى التي وقعت خلال فترة حكمه القصيرة التي استمرت من عام 680م إلى 683م.






                                        نشأته وشخصيته


نشأ يزيد في ظل والده معاوية بن أبي سفيان، الذي كان أول خليفة للدولة الأموية وأحد أكثر السياسيين دهاءً في التاريخ الإسلامي. تلقى يزيد تعليماً يتماشى مع تقاليد قريش وحكم الخلفاء الراشدين، لكنه تربى أيضاً في بيئة سياسية ودبلوماسية شديدة التعقيد. والده معاوية كان معروفاً بسياساته الحكيمة وقدرته على إدارة الدولة بفعالية، إلا أن يزيد لم يكن يتمتع بنفس مستوى الحكمة السياسية.


ورغم أن يزيد اشتهر بالشجاعة وحبه للصيد والرفاهية، فإن الروايات التاريخية تتباين في تقييم شخصيته. بعض المصادر تصوره على أنه كان زعيماً عادلاً وشجاعاً، بينما يراه آخرون كشخصية مستبدة، لا سيما في ضوء الأحداث التي وقعت خلال حكمه.







                             توليه الخلافة


كان أحد القرارات الرئيسية لمعاوية قبل وفاته هو تأمين انتقال الخلافة إلى ابنه يزيد. وقد أثار هذا القرار استياء العديد من المسلمين الذين رأوا في هذا القرار تحويلاً للخلافة من نظام الشورى إلى ملكية وراثية، وهو ما كان يُعتبر انحرافاً عن النهج الذي اتبعه الخلفاء الراشدون. تعرّض معاوية لانتقادات بسبب تعيين يزيد كولي للعهد، لا سيما من قبل بعض الشخصيات البارزة مثل الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر.


عندما تولى يزيد الخلافة، كانت الإمبراطورية الأموية قوية وممتدة من بلاد الشام إلى شمال إفريقيا والجزيرة العربية. إلا أن خلافته واجهت تحديات كبيرة منذ البداية، وكان أبرزها التحدي الذي مثله الحسين بن علي، حفيد النبي محمد، والذي رفض الاعتراف بشرعية حكم يزيد.


                                 معركة كربلاء


تعتبر معركة كربلاء التي وقعت في عام 680م (61 هـ) من أكثر الأحداث شهرة وإثارة للجدل في فترة حكم يزيد. بعد أن رفض الحسين بن علي البيعة ليزيد، انطلق من المدينة المنورة متوجهاً إلى الكوفة في العراق، حيث تلقى دعوات من سكانها لقيادتهم ضد الأمويين. إلا أن جيش يزيد اعترض قافلة الحسين في منطقة كربلاء، وأدى هذا إلى اندلاع معركة غير متكافئة بين جيش الحسين الصغير وجيش يزيد.


أسفرت المعركة عن مقتل الحسين بن علي وعدد من أفراد عائلته وأصحابه. هذه الحادثة كانت لها تداعيات بعيدة المدى في التاريخ الإسلامي، إذ أثارت استياء واسع النطاق ضد حكم يزيد واعتبرت بداية الخلاف الشيعي-السني. فبالنسبة للشيعة، يُعتبر الحسين رمزاً للشهادة والتمسك بالحق في مواجهة الظلم، بينما ينظر البعض إلى يزيد كمسؤول عن هذه الكارثة، على الرغم من أن البعض الآخر يرى أن يزيد قد لا يكون قد أمر شخصياً بقتل الحسين.


                   ثورة المدينة وحادثة الحرة


بعد مقتل الحسين، تصاعدت التوترات في المدينة المنورة، معقل المعارضة لسياسة يزيد. في عام 683م (63 هـ)، قامت مجموعة من أهل المدينة بثورة ضد حكم يزيد، معبرين عن رفضهم لسياساته. وكان من بين الثائرين عدد من الصحابة وأبنائهم.


لإخماد الثورة، أرسل يزيد جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة، وهو قائد عسكري معروف بقسوته. نشبت معركة الحرة في ضواحي المدينة، وانتهت بهزيمة الثوار واستباحة المدينة لثلاثة أيام، وهي حادثة تُعرف باسم "حادثة الحرة". كانت هذه الحادثة ضربة قوية لشرعية يزيد، إذ أدت إلى زيادة العداء لحكمه بين المسلمين.


                               حصار مكة


بعد قمع ثورة المدينة، انتقلت الاضطرابات إلى مكة، حيث أعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة. ابن الزبير كان من أشد المعارضين لحكم يزيد، ونجح في جذب العديد من المؤيدين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. أرسل يزيد جيشاً لمحاصرة مكة في عام 683م (64 هـ)، لكن قبل أن يتمكن الجيش من السيطرة على المدينة، توفي يزيد فجأة، مما أنهى الحصار بشكل مؤقت.


                                     وفاة يزيد وتداعياتها


توفي يزيد بن معاوية في عام 683م (64 هـ) عن عمر يناهز 38 عاماً. وفاته كانت مفاجئة وأدت إلى فترة من الفوضى السياسية في الدولة الأموية. لم يكن ليزيد خليفة جاهز لوراثة العرش بشكل سلس، مما أدى إلى صراع على السلطة داخل الأسرة الأموية. لفترة قصيرة، تولى ابنه معاوية بن يزيد الخلافة، ولكنه تنازل عنها بعد بضعة أشهر، مما أدى إلى تصاعد الصراع بين فصائل الأمويين وبين معارضيهم مثل عبد الله بن الزبير.







                   تأثير يزيد على التاريخ الإسلامي


حكم يزيد القصير كان مليئاً بالأحداث الدراماتيكية التي شكلت مسار التاريخ الإسلامي. بينما كانت دولته مستقرة نسبياً في بداية حكمه، إلا أن القرارات التي اتخذها والخطوات التي تمت خلال فترة حكمه أدت إلى انقسامات حادة داخل الأمة الإسلامية. مقتل الحسين بن علي في كربلاء كان له تأثير عميق على العلاقة بين السنة والشيعة، وهو انقسام ما زال مستمراً حتى اليوم.


علاوة على ذلك، تُعتبر حادثة الحرة وحصار مكة من أكثر الأحداث التي شوهت سمعة يزيد، حيث أظهرت قسوة الدولة الأموية في التعامل مع المعارضة. ورغم أن بعض المؤرخين يرون أن يزيد لم يكن سيئاً تماماً وأنه واجه ظروفاً معقدة وصعبة، إلا أن معظم الروايات التاريخية تعتبر حكمه بداية لتراجع شرعية الدولة الأموية.


في النهاية، يُعتبر يزيد بن معاوية شخصية معقدة في التاريخ الإسلامي. حكمه القصير ترك تأثيراً كبيراً على الأمة الإسلامية، وساهمت الأحداث التي وقعت في فترة حكمه في تشكيل الكثير من النقاشات والاختلافات الدينية والسياسية التي استمرت لقرون بعد وفاته.


اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم